بقلم: أ.د. عبدالرحمن بن عبدالله الصغيّر
من فكر المؤسس… إلى صناعة المستقبل
في اليوم الوطني، لا نحتفي بذكرى عابرة، بل نستعيد أعظم لحظة إدارية وقيادية عرفها هذا الوطن: اللحظة التي قرر فيها الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – أن يبدأ مشروع التوحيد لا من السيف، بل من العقل… من الرؤية… ومن الإنسان.
لقد طالعت سيرة المؤسس لا كمجرد تاريخ، بل كنص إداري عميق، سبق كثيراً من نظريات القيادة الحديثة. ففي كل قرار اتخذه، كنت أرى بذور الحوكمة، وفلسفة الرؤية، ومنهجية التمكين. لم يكن يوماً ينتظر الظروف، بل كان يصنعها، ولم يُؤسس وطناً فقط، بل أرسى نهجاً إدارياً لا يزال يُلهمنا حتى اليوم.
وما إن رسخت أركان الدولة، حتى بدأ في تأسيس الوزارات، وهيكلة الأنظمة، وإرسال البعثات، وتوظيف التعليم كأداة للسيادة. لم يكن ذلك ترفًا إدارياً ، بل إيمانٌ عميق بأن الإنسان المتعلم هو أقوى أدوات البقاء والنهوض.
واليوم، ونحن في “جامعة المعرفة”، لا نرى أنفسنا مجرد جهة تمنح الشهادات، بل نقطة ارتكاز في استكمال مشروع المؤسس. نُعدّ طلابنا ليكونوا قادة يؤمنون أن الأوطان لا تُبنى بالاحتفاء بالماضي فقط، بل بفهمه، وتجاوزه، وتوسيع أفقه نحو المستقبل.
وقد شاء الله أن تستمر هذه المسيرة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – أيده الله –، الذي لم يكن طارئاً على الإدارة، بل كان ابناً مباشراً لفكر المؤسس، وشاهداً على مفاصل الدولة لعقود، وقائداً يُجيد بناء الدولة كما يُجيد صيانة هيبتها. في عهده، تحوّلت الرؤية إلى حزم، والخطابات إلى مشروعات، والبيروقراطية إلى مبادرات.
وبفكر متقد ورؤية غير مسبوقة جاء سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – ليمنح هذا الفكر دفعة طموحة، تُشبه انطلاقة التأسيس الأولى. نقل الدولة من مرحلة التنظيم… إلى مرحلة الطموح. فغدت السعودية الجديدة ليست دولة تواكب التغيرات، بل دولة تصنعها.
وفي ظل هذه الرؤية، نقف نحن – كجامعة – أمام مسؤولية مضاعفة. لسنا فقط جهة أكاديمية، بل مصنعٌ للوعي، وبوابة للمستقبل، ورافعة وطنية. ولهذا، فإننا في جامعة المعرفة نحرص على أن نُخرّج طالباً لا يسعى للوظيفة فقط، بل يبحث عن الأثر… لا يكتفي بالنجاح الفردي، بل يحمل همّ الوطن، ويستحضر فكر المؤسس، وقيم القيادة، ونَفَس الرؤية.
فهذا الوطن لم يُبْنَ صدفة… بل بصبر قائد، وبصيرة ملك، وعقل إدارة.
وإن أردنا أن نستحقه، فلنكن على قدر الفكر الذي بدأه… وعلى قدر الطموح الذي يقوده اليوم.
وكل عامٍ ورايتنا خفّاقة، وقيادتنا ملهِمة، وجامعاتنا صانعة لمستقبل هذا الوطن العزيز.

